يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "فإن المقصود به" يعني: الهجر "زجر المهجور وتأديبه"، أي إنما نهجر من يهجر من مبتدع وعاص لكي نزجره ونؤدبه، ولكي ترجع العامة عن مثل حاله، وحتى لا يقلِّده الناس ويتَّبعوه.
يقول رحمه الله: "فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة، بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشرّ وخفيته كان مشروعاً".
أي: إذا كان هجر هذا الإنسان يؤدي إلى تخفيف الشر أو إلى إضعافه فعلناه.
قال: "وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف بحيث تكون مفسدة الهجر راجحة على مصلحته؛ لم يُشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر"
ومثال ذلك: لو أن طالباً طلب العلم، ثم ذهب إلى أهله في بادية بعيدة، أو ذهب إلى أهله في بلدٍ من البلدان التي يغلبُ عليها البدع، فوجدهم يفعلون ما يفعلون من البدع، فقال: أنا أعرف أن من أصول أهل السنة والجماعة هجر أهل البدع، فلنهجرهم، فهجر أمه وأباه، فإنه لن يدع أحداً إلا هجره؛ لأن الناس ألفوا هذه البدع وعاشوا عليها، فيصير هو المنكر المهجور لأن الهاجر في هذه الحالة ضعيف والمصلحة لا تتحقق، والمشكلة ليست في عدم قيام طالب العلم بالإنكار أو عدم هجره لأهل البدع، ولكن المشكلة أن المصلحة الشرعية غير حاصلة، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، ورضي عنه وأرضاه: "بل يكون التأليف لبعض الناس، أنفع من الهجر" أي: بأن تتألفه على الحق بحسب ما فيه من الخير، ومن العلم والفهم.